مباراة أخرى منطقية، وثانية مجنونة مجنونة مجنونة. أعتقد بأن هذا أفضل وصف يطلق على مباراتي الذهاب بالدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا ''التشامبيونزليج''، رغم أن القراءة الأولية تشير لمواجهة إنجليزية في النهائي بين مانشستريونايتد وتشلسي.
في المباراة الأولى لم يكن أحد يتوقع أن يقوم النرويجي جون آري ريزه بإهدار جهد فريقه طوال ال90 دقيقة في آخر ثانية من الوقت بدل الضائع ليمنح تشلسي طوق النجاة من خسارة مستحقة على ملعب الأنفيلد رود، ويمنح المدرب الصهيوني إفرام جرانت فرصة ذهبية لا يمكن لمدرب في مثل مستواه وتاريخه الضحل أن يحلم بها بوضع قدم واحدة في النهائي الذي ستحتضنه العاصمة الروسية موسكو، لكنها كرة القدم المجنونة.
بان واضحاً جداً أن ليفربول كان الأفضل في المباراة، وأنه يفترض أن يخرج بغلة معقولة من الأهداف لو أحسن الأسباني فرناندو توريس التعامل مع الكرات التي تحصل عليها أمام مرمى الحارس التشيكي بيتر تشيك، في الوقت الذي لابد لنا من التنويه فيه إلى أن قلب الريدز النابض ستيفن جيرارد لم يكن في مستواه المعهود.
تشلسي بدوره لم يكن بمستواه المتوقع، إذ تعتبر كتيبة البلوز من الفرق التي لا تتأثر باللعب خارج أرضها أو داخله، لكن في المباراة أمام ليفربول ورغم الاندفاع الأزرق في البداية بان واضحاً أن الأسباني رافاييل بينيتيز نجح في التحكم في مجربات اللعب وامتصاص حماس لاعبي البلوز وإحكام السيطرة على خطورة العاجي ديديه دروجبا.
رغم أفضلية ليفربول في الأداء، إلا أن هدف ريزه العكسي بإمكانه الآن أن يمنع ليفربول من تكرار هزيمة تشلسي في نصف نهائي البطولة للمرة الثالثة في أربعة أعوام، إذ ما تحتاجه كتيبة البلوز فقط هنا الخروج بتعادل سلبي في ستامفورد بريدج على أقل تقدير أو الفوز، وهي مسألة ممكنة تماماً خاصة وأن تشلسي من أشرس الفرق على أرضه.
ما حصل في مواجهة الريدز بالبلوز يدفعنا منطقياً للقول بأن التأهل قد يكون بنسبة كبيرة لصالح الفريق الأزرق، إلا أن ظهر ليفربول في مباراة الإياب بنفس مظهره في الذهاب مع النجاح في هز شباك تشيك ليعوض بالتالي اهتزاز شباكه في الانفيلد بفعل النيران الصديقة من رأس ريزه.
المواجهة الأخرى في كاتالونيا نجح المان يونايتد فيها من الخروج سالماً من النوكامب، وكان للمان فرصة ذهبية للظفر بنتيجة الذهاب التي من شأنها أن تسهل عليه مهمة الإياب في الأولدترافورد لو تمكن نجمه البرتغالي كريستيانو رونالدو من تسجيل ضربة الجزاء التي احتسبت في الدقيقة الثانية من المباراة، لكن الجميع يعلم أنها كرة القدم وحتى أفضل اللاعبين يمكنهم أن يهدروا ضربات جزاء في أحرج المباريات.
المتمعن في مباراة الذهاب بين عملاق كاتالونيا والمان يونايتد المرشح الأبرز لنيل لقب الدوري الإنجليزي قد يستغرب من التشكيلة التي بدأ بها السير فيرجسون المباراة خاصة إشراكه الكوري بارك على حساب لاعب خبير مثل ريان غيغز أو سحبه لواين روني قبل نهاية المباراة، إلا أنها بدت واضحة بأن السير يسعى لجر البارسا لفخ التعادل تمهيداً لتوجيه الضربة القاصمة هناك في الأولدترافورد.
كان ملاحظاً تراجع مانشستر في بعض لحظات المباراة، ورغم ذلك لم يحسن لاعبو البارسا استغلال ذلك رغم ضغطهم الكبير على مرمى الهولندي فان در سار، وجاء التغيير الغريب بإخراج فرانك رايكارد لأفضل لاعب كان يؤدي في الملعب الأرجنتيني الشاب لونيل ميسي ليفرض تساؤلات حول مدى أهلية رايكارد لاتخاذ قرارات هامة ومصيرية في مثل هذه المباريات.
بالنسبة للمان يونايتد فإن الخروج من النوكامب بنقطة مسألة إيجابية، خاصة إن كنا نتذكر كيف يلعب الشياطين الحمر على أرضهم وبين جماهيرهم وإقران ذلك بالمستوى المتذبذب للبارسا.
معطيات جولة الذهاب تشير لأفضلية للمان يونايتد رغم عدم تفوقه فنيا على البارسا في المباراة، وكذلك أفضلية رقمية لتشلسي رغم عدم تفوقه فنيا أيضاً على ليفربول، بيد أن الأفضلية الفنية متوقعة للبلوز والشياطين حين يلعبان على أرضهما.
بالتأكيد لا يمكننا الجزم بأي شيء فهي كرة قدم مجنونة ولا تعرف أي منطق، وقد نجد نهائيا يخالف المنطق يضم ليفربول في مواجهة البارسا.
أعيدوا الشريط للوراء وتأملوا هدف ريزه العكسي القاتل في الثواني الأخيرة لتتأكدوا من أن كرة القدم الأوروبية باتت مرادفاً للجنون بكل ما تعنيه كلمة الجنون من معنى .