أمي ... من زنزانة الموت أناديكي..

حين كان أسيرا في سجون الاحتلال الجديد ..محاصرا ببشريته و ذنوبه البريئة داخل جدران الزنزانة..و محروما من أبسط معاني البشرية التي يحتاجها ... قال لي ... اشتقت الى أمي ...


خاطرة حالمة .. لواقع مر ... و ذكرى حقيقية لخيال لم يكن يوما بالحسبان أن يقع .... أصدق ما فيها .. أنها .. يوما كانت واقعا !!





أمي ... ما زلت وحيدا .. رغم العقود الثلاثة في عمري ... رغم الغربة البعيدة ... و الأحلام المتطاولة ... رغم الحب و رغم الشوق .. ورغم الأنين ... ما زلت وحيدا ...




كيف أنت يا حبيبة ؟ اشتقت إليك ... اشتقت لكفك الملائكية الدافئة ... و لعينيك الطفلتين ...


كيف أنت يا غالية ؟ كيف الحب و الحنين في كلماتك الساحرة ... و كيف الهم يزول في تراتيلك الصوفية .... و مسحاتك العيسوية ... كيف أنت يا حبيبة ؟ ...


أنـــــا .. ؟؟!! بخير إن كنت بخير ... خل عنك السؤال و طمئني قلبي و غربتي ... كيف أنت يا غالية ؟؟




من لي بنسمة صباحية ناعمة تزورك و تعود إلي بالإجابة ؟ من لي .. بيمامة طفولية تعشق السفر إليك و تعود إلي بالبشارة ؟ من لي بحلم جميل هادئ يخبرني أنك بخير ...؟ حينها .... ( يا ظلام السجن خيم .. إننا نهوى الظلاما ) ... حينها .. لن يدمي قدمي قيد ثقيل ... و لن تمنع يدي أغلال العبودية .. و لن يكسر حلمي غياب الشمس الطويل ... حينها .. أنا حبيبتي بخير ...




أنا لن أموت هنا ... و لن أكسر في زنزانة الموت هذه ... لن أنحني أبدا ... فما زالت رائحة الياسمين تعبق في الذكريات .. و ما زال البنفسج يتطاول عند نافذة الزنزانة حين أمعن بالحلم .. ما زال بصيص النور يتمادى في أخر النفق ... ما زالت " أمي " تحن لصوتي .. و ما زال " أبي " ينتظرني عند كل نافذة في البيت مدعيا أي شيء سوى انتظاري !!! ما زالت أختي الكبرى تمنع طفلها من النطق باسمه حتى أعود ... و مازالت الصغرى تحبس طفولتها حتى نتقاسمها .. ما زالت أمي تحرق دمعتها في كل دعاء .. و مازالت تكيل نصيبي في كل طعام ..و تنتقد كل بنات الحي لتفوز حسناهن كعروسي !! ... ما زالت عندي كلمات لابد ستقال .. و أحلام سآتيها أو تأتيني ... و رفيقة عمر ألقاها ... و مازالت روحي رغم الموت قادرة على الحياة .. أنا ما زلت مؤمنا ..


ما زلت وحيدا يا أمي ... أحتاج إليك .. فهل من هدنة ؟! و هل من فرصة ألقي فيها بقايا جسدي و جراحي في حضنك يوما ... يوما كاملا ... تمسحين دمعي .. و تأسرين أنفاسي ... و ترقينني كما كنت دوما تفعلين .. يوما كاملا في جنتك .. ألمس دفء أنفاسك في شعري .. و رقة كلماتك في جبيني ... أحبك ... و أشتاق إليك يا حبيبة ..